" إبداع إمرأة عراقية " كتبت—هدى حجاجى


________________
الابداع ذروة العطاء الإنسانى  وسر تدفق  الدماء فى عروق الحياة  ولأن المرأة نصف المجتمع ..  ومشارك رئيسى  فى نسيجه  فالابداع  لديها يأتى  متكاملا مع ابداعات  الرجل . 
ورغم إجماع  النقاد على عدم  وجود إبداع  أنثوى  وأدب  نسائى  .. مدللين  على ذلك  بإن الابداع لا  جنس له
فمن المؤكد  أن هناك  نخبة  من النساء   العربيات  تجاوزن  بابداعاتهم حدود الدلال  الأنثوى  وقضايا التحرر  النسائى  إلى الإسهام  بقوة وفاعلية  وتأثير  فى قضايا الوطن  وهمومه .. فى احلامه  وأحباطاته . والمثلة  على ذلك كثيرة  لكننا نقدم  فى السطور التالية  نموذجين  من الشخصيات المشرفة  فى عالم  الأبداع  الشعرى  للمراة  العربية    وهما الشاعرة   العراقية  " نازك الملائكة "  الملقبة  بالقيثارة الحزينة  .. والشاعرة " الفلسطينية  فدوى طوفان "  .... سفيرة  الجرح الفلسطينى  للوجدان العربى  رغم محنه  وتراجعاته المتتالية .  
(( نازك  الملائكة )) 
لا يرد  ذكر ابداعات المرأة العربية  فى مجال الشعر إلا  ويقفز اسم الشاعرة  نازك الملائكة  إلى الصدارة  بكل مقاييس  الانصاف والعدالة . 
فهى الشاعرة الحزينة التى تمردت على الأعراف  التقليدية المعروفة لشعر  المرأة  والدلال الأنثوى  والمشاعر الطيبة  التى سادت  . وتسامت ابداعاتها وأشعارها   لتلمس أوجاع الأمة  العربية  وهموم الأنسان   من الخليج إلى المحيط  . وليس بعيدا عن الوجدان  موقفها  من نكبة مصر  مع وباء الكوالير  وكذلك حزنها  على مرارة  الواقع  الفلسطينى  الراهن  واحباطات  الأمة  المتتالية  وأحلامها  العربية  التى تساقطت واحدة تلو الأخرى  .
إنها النموذج  والقدوة والمثل  الذى يحتذى  بين  نساء  العروبة . 
ولدت  الشاعرة العراقية " نازك الملائكة "  فى 23 أغسطس عام 1923 فى منطقة  العاقولية فى بغداد القديمة  حيث كان جدها الأكبر  يملك بيتا شاهقا  منذ عام 1830  عاشت فيه الاسرة حوالى  قرنا من الزمان  بكل أفرادها  الرجال  الكبار والصغار  والنساء والأطفال  بنين وبنات  .  ثم انتقلت إلى بيتا آخر  حديثا  فى ضاحية  القرارة الشرقية  وكانت نازك  الكلائكة  فى ذلك الوقت  طفلة  لم تتجاوز  السابعة  من عمرها  وقد بناه  أبوها  قريبا  من نهر دجلة وسط الأشجار  الباسقة  والحدائق الممتلئة بأطيب الثمار لمختلف  الفواكه  المزدانة بصفوف الأشجار   وكان لهذا المناخ  الساحر  مع الطبيعة الرائعة  الأثر  الكبير  على حياتها  الأدبية  والشعرية  فى المستقبل  أثر كبير ...  فكثيرا  ما كانت الشاعرة  الطفلة  تمضى  أوقات  طويلة  حالمة  فوق تلال  الرمال  وتبنى  قصورا  من الأحلام  على شاطئ النهر  وكثيرا  كانت تلعب مع  اخواتها   التى  هى أكبرهم ومع أطفال  الجيران والحى  بين الأشجار والأدغال  والحشائش وكانت احيانا تهرب  منهم  لتنعزل وحدها  ومعها باقات  من أزهار  البرتقال والليمون  لتصنع منها أساور  وقلائد  وتداعب  الموج فى النهر   قرب الشاطىء . وكبرت  نازك الملائكة   وبدأت  تتدرج  فى مراحل  التعليم  الأولى  والوسطى  حتى حصلت  على المرحلة  الثانوية العام وفى عام  1939 ثم دخلت دار المعلمين  فرع فى اللغة العربية  وخرجت منها  منها بليسانس  الآداب  عام 1944  بدرجة الإمتياز . 
بجانب هذه الدراسة التى تفوقت فيها  درست الكثير  من الفنون , والدراسات الأخرى  التى تميزت  فيها أيضا  فأثناء  دراستها  الجامعية  درست الموسيقى  بمعهد  الفنون الجميلة  عام 1942  حيث تخصصت فى دراسة آلة العود   وتعرفت على المقامات  الشرقية والموشحات . 
كما درست فن التمثيل وتعرفت  على أعلام المسرح  الأغريقى من أمثال  " سفكريس" و " روبيديس"  و " ارستوفانيس" وتعلمت  أيضا الفرنسية  فى المعهد الفرنسى  العراقى  حتى تمكنت  من قراءة  وفهم  نصوص  " موليير " و " راسين" وغيرهم . 
وإجادتها  اللغة  الانجليزية  لأنها  بدأت معها  منذ المرحلة الوسطى  واستمرت  بعد ذلك  فاستطاعت  أن تترجم  أشعار " شكسبير "  وبعض مسرحياته الشهيرة  . 
كما تمكنت  من الالتحاق بالمعهد  الثقافى  البريطانى والتفوق فى مجال  الشعر الدرامى  وكان هذا  له الفضل  الاكبر فى رحلتها  إلى أمريكا  على نفقة مؤسسة " روكفلر" الأمريكية  حيث درست هناك مادة النقد  الأدبى  ومادة الادب المقارن  حتى كان لها  شرف الالتحاق  بجامعة  ويسكسن  وهى من الجامعات  العظمى فى الولايات المتحدة  . 
وكان موضوع رسالة البحث لنازك الملائكة  عن المدارس النحوية  وكان الأستاذ  المشرف  هو استاذها  الدكتور " مصطفى جواد  " عليه رحمة الله  .
وقد بدأت الشاعرة العراقية  نازك الملائكة نظم الشعر قبل العاشرة  حيث كانت  تنظم  بعض الاشعار  باللهجة الدارجة أى العامية  وفى العاشرة تجرأت ونظمت قصيدة  باللغة الفصحى المعروفة فى ذلك الوقت  نصحها والدها أن تتعلم قواعد النحو ثم  تنظم الشعر  حيث علمها بنفسه  هذه القواعد  ووضع بين يديها  مكتبة دقيقة  فى متون  النحو وكتب  الشواهد  كلها  حتى أصبحت الأولى  فى هذا المجال  .
كما  أن والدتها  أيضا  كان لها فضل كبير عليها  حيث أن والدتها  كانت تنظم الشعر أيضا   وتنشره فى المجلات  والصحف  العراقية  تحت توقيع  السيدة أم  (نزار الملائكة )  وكان هذا اسمها الأدبى   وكان أبوها هو جد نازك الملائكة  أديبا  ومؤرخا  موسوعيا  كتب الكثير   ومن أهمه  دائرة  معارف الناس فى عشرين مجلدا .  
___________________________________________________________
المرجع .. الكاتب (محمد بهادر ) 
• البيان الاول للحداثة في الشعر ( نازك الملائكة )

تعليقات