مجرد كلام ...بقلم الاديب ثروت مكايد

مجرد كلام
بقلم : ثروت مكايد
أصابني ما يصيب البشر إذ مرضت بنوبة من الأنفلونزا حادة - وقاك الله يا قارئي الشرور - لم تفلح معها المسكنات ، فذهبت إلى الطبيب ..
قلت للممرضة : متى يأتي الطبيب ؟ ، فلا أتحمل الانتظار لفترة تطول كما أني أريد الذهاب إلى العيادة في ميعاد محدد منعا من الاختلاط الذي يسبب العدوى ، والملل جميعا ..
أخبرتني الآنسة أن ميعاد الطبيب في الثالثة مساءا ، وعليه حجزت ، وذهبت في الميعاد الذي حددته الممرضة ثم لم يأت الطبيب ، واكتظت العيادة بالمرضى ..
مرت أربع ساعات والممرضة تمنينا بقدوم المخلص ، والكل في حالة من القرف والسخط ..
وقالت امرأة شابة : لا يوجد طبيب يحترم مواعيده !
قلت : إن من لا يحترم الميعاد ، لا يحترم نفسه ..
وقال شيخ قد أحناه العمر : بل لا يحترمنا نحن المرضى ..
وسرت همهمات وهمسات بين المرضى ، وأخذوا في بث همومهم لمن يجدوا منه أذنا في حين خرجت من هذا المستنقع عازما عدم العودة ، وهمست لي نفسي أن المرض العضال الذي أصاب أمتنا فجعل منها عالة على الأمم بل جعل منها قصعة الأمم يكمن في عدم احترامها للوقت حتى كأنه من سقط المتاع ..
إنك لن تظفر في وطننا كله بشخص يحترم الوقت أو يحترم موعده معك ..
موعده الذي يحدده هو نفسه ..
إن الأمر ليس أمر طبيب متخلف وإنما أمر أمة متخلفة ، وهل الأمة إلا مجموع أفرادها ..
وإذا جاءت مظاهر التخلف والانحطاط ممن نحسبهم نخبة فما بالك بمن هم دونهم وعيا على أن الوعي لا يرتبط بالمؤهل الدراسي فكثيرا ما تجد طبقة الأطباء -مثلا - من أكثر الخلق تخلفا وقسوة وعدم شعور ..
والحق أن النخب العربية لم تعد حلم المتطلعين لنهضة ، المريدين لتقدم لأن تكونهم ليس عن طريق الثقافة الممثلة للهوية وإنما عن طريق الثروة والمنصب وهلم جرا من أشياء لا تمثل روح الأمة وهويتها الثقافية .
                     

تعليقات